بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
المقصود بقول الرسول الكريم : (ولكن أخشى عليكم التكاثر)في الحديث :ما أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم التكاثر وما أخشى عليكم الخطأ،ولكن أخشى عليكم التعمد0
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ التَّكَاثُرَ وَمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْخَطَأَ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْتعَمُّدَ. رواه أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان، والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، و قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد، و رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني.
والتكاثر في اللغة: مصدر قولهم تكاثر فلان وفلان، أي: قال كل منهما أنا أكثر منك في كذا وكذا، أو طلب كل منهما أن يكون أكثر من الآخر.
وقال الراغب في غريب مفردات القرآن: التكاثر التبارى في كثرة المال والعز .
وقال ابن القيم في الفوائد: والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم، إلا فيما يقرب إلى الله، فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها.
فالمقصود بالتكاثر الذي خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته هو مكاثرة بعضهم بعضا، وتنافسهم فيما لا فائدة منه من حطام الدنيا، وطلب كل واحد أن يكون أكثر من الآخر فيما لا يعود عليه بنفع ولا يقربه إلى الله بل قد يبعده عنه؛ ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم المقصود من المال ولماذا يرزق الله العباد، وأن بعض الناس ينشغل عن هذه الغاية بسبب هذا التنافس والتكاثر والطمع فيما لا يقربه من الله.
فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ. رواه أحمد والطبراني. وقال الهيثمى في المجمع:رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني.
وانشغال القلب الزائد عن حد الاعتدال بالدنيا وركونه إليها وغفلته عن الغاية التي خلقه الله من أجلها وهي عبادته وحده لا شريك له، وأن المال والأولاد وكل ما هو من زينة الدنيا إنما هو وسيلة لهذه الغاية الشريفة، هذا كله من أسباب التكاثر الذي يحدث بين الخلق، ولهذا -والله أعلم- بين النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان الموفق تجاه المال، وما هو المال الذي يفيد الإنسان وهذا في تفسيره لسورة التكاثر.
فعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ : أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ. رواه مسلم.
قال السندي في شرحه لسنن النسائي: قَوْله: يَقُولُ اِبْن آدَم مَالِي، كَأَنَّهُ أَفَادَ بِهَذَا التَّفْسِير أَنَّ الْمُرَاد التَّكَاثُر فِي الْأَمْوَال -وَإِنَّمَا مَالُك يَا اِبْن آدَم- إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِبْن آدَم بِأَنَّ مَالَهُ هُوَ مَا اِنْتَفَعَ بِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْأَكْلِ أَوْ اللُّبْس أَوْ فِي الْآخِرَة بِالتَّصَدُّقِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَأَفْنَيْت فَأَبْلَيْت- إِلَى أَنَّ مَا أَكَلَ أَوْ لَبِسَ فَهُوَ قَلِيل الْجَدْوَى لَا يَرْجِعُ إِلَى عَاقِبَةٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَصَدَّقْت فَأَمْضَيْت، أَيْ أَرَدْت التَّصَدُّق فَأَمْضَيْت أَوْ تَصَدَّقْت فَقَدَّمْت لِآخِرَتِك. انتهـى.
ولا يفهم من النهي عن التكاثر أن هذه دعوة لترك التكسب وإصلاح الإنسان لدنياه وذم الدنيا على كل حال، ولكن الأمر كما قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: الذم إنما هو لأفعال الجاهل، أو العاصي في الدنيا، فإنه إذا اقتنى المال المباح، و أدى زكاته، لم يُلَمْ .
بل ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، وإنما يقصد به التوسل إلى طاعة الله، من صلة الإخوان والتعفف عن وجوه الناس، هو أفضل من التفرغ للعبادة من الصلاة والصوم والحج ؛ لأن منفعة الاكتساب أعم، فإن ما اكتسبه الزارع تصل منفعته إلى الجماعة عادة، والذي يشتغل بالعبادة إنما ينفع نفسه ؛ لأنه بفعله يحصل النجاة لنفسه والثواب لجسمه، وما كان أعم فهو أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: خير الناس أنفعهم للناس، ولهذا كان الاشتغال بطلب العلم أفضل من التفرغ للعبادة ؛ لأن منفعة ذلك أعم. انتهى.
فنسأل الله أن نحسن الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يشغلنا إلا بما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة، ولمزيد من الفائدة حول عاقبة التنافس على الدنيا تراجع الفتوى رقم: 113224.
والله أعلم